قَالَ الله
تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 88 ] ، وَقالَ
تَعَالَى : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [ الكهف : 28 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ } [ الضحى : 9-10 ] ، وَقالَ
تَعَالَى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ
الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } [ الماعون : 6 ]
.
(1)- وعن سعد بن أَبي
وَقَّاص - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
سِتَّةَ نَفَرٍ ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - :
اطْرُدْ هؤلاء لا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا ، وَكُنْتُ أنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ .
وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلالٌ وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا ، فَوَقَعَ في
نفس رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ
نَفسَهُ ، فَأنْزَلَ اللهُ تعالى : { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [ الأنعام : 52 ] رواه مسلم
.
(2)- وعن أَبي هُبَيرَة عائِذ بن عمرو المزنِي وَهُوَ مِنْ أهْل بيعة الرضوان
- رضي الله عنه - : أنَّ أبا سُفْيَانَ أتَى((3)) عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ
وَبلاَلٍ في نَفَرٍ ، فقالوا : مَا أخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ مِنْ عَدُوِّ الله
مَأْخَذَهَا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - : أتَقُولُون هَذَا لِشَيْخِ
قُرَيْشٍ وَسَيدِهِمْ ؟ فَأتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأخْبَرهُ ،
فَقَالَ : (( يَا أَبَا بَكْرٍ ، لَعلَّكَ أغْضَبتَهُمْ ؟ لَئِنْ كُنْتَ
أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أغْضَبتَ رَبَّكَ )) فَأَتَاهُمْ فَقَالَ : يَا إخْوَتَاهُ ،
أغْضَبْتُكُمْ ؟ قالوا : لاَ ، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أُخَيَّ . رواه مسلم
.
__________
(1) - أخرجه : مسلم
7/127 ( 2413 ) ( 46 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 7/173 ( 2504 ) ( 170 ) .
(3)
قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/250 ( 2504 ) : (( هذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو
كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية .
قوله : (( لا ، يغفر الله لك ... )) .
قال : روي عن أبي بكر أنه نهى عن مثل هذه الصيغة ، أي لا تقل قبل الدعاء ( لا )
فتصير صورته صورة نفي الدعاء . قال بعضهم : قل : لا ... ويغفر لك الله ))
.
قولُهُ: (( مَأْخَذَهَا ))
أيْ: لَمْ تَسْتَوفِ حقها مِنْهُ. وقوله: (( يَا أُخَيَّ )) : رُوِي بفتحِ الهمزةِ
وكسرِ الخاءِ وتخفيف الياءِ ، وَرُوِيَ بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياءِ
.
(1)- وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله
عليه وسلم - : (( أَنَا وَكَافلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا )) وَأَشارَ
بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى ، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا . رواه البخاري .
و((
كَافلُ اليَتيم )) : القَائِمُ بِأمُوره .
(2)- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه
- ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كَافلُ اليَتيِم لَهُ
أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ )) وَأَشَارَ الرَّ اوِي
وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أنَس بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى . رواه مسلم .
وقوله - صلى
الله عليه وسلم - : (( اليَتِيمُ لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ )) مَعْنَاهُ : قَريبُهُ ،
أَو الأجْنَبيُّ مِنْهُ ، فالقَريبُ مِثلُ أنْ تَكْفَلهُ أمُّهُ أَوْ جَدُّهُ أَوْ
أخُوهُ أَوْ غَيرُهُمْ مِنْ قَرَابَتِهِ ، والله أعْلَمُ .
(3)- وعنه ، قَالَ :
قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَيْسَ المِسْكينُ الَّذِي
تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ، وَلا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ
إِنَّمَا المِسكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
.
__________
(1) - أخرجه : البخاري
7/68 ( 5304 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 8/221 ( 2983 ) ( 42 ) .
(3) - أخرجه :
البخاري 2/154 ( 1479 ) و6/39 ( 4539 ) ، ومسلم 3/95 ( 1039 ) ( 101 ) و( 102 )
.
وفي رواية في الصحيحين :
(( لَيْسَ المِسكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ
واللُّقْمَتانِ ، وَالتَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ ، وَلَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي
لاَ يَجِدُ غنىً يُغْنِيه ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيهِ ، وَلاَ
يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ )) .
(1)- وعنه ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم
- ، قَالَ : (( السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ ، كَالمُجَاهِدِ في
سَبيلِ اللهِ )) وَأحسَبُهُ قَالَ : (( وَكالقَائِمِ الَّذِي لاَ يَفْتُرُ ،
وَكَالصَّائِمِ الَّذِي لاَ يُفْطِرُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- وعنه ، عن
النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ
الوَلِيمَةِ ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأتِيهَا ، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا ،
وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ )) رواه مسلم
.
وفي رواية في الصحيحين ، عن أَبي هريرة من قوله : (( بئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ
الوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهَا الأغْنِيَاءُ ويُتْرَكُ الفُقَراءُ )) .
(3)- وعن
أنس - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ
عَالَ((4)) جَارِيَتَيْن حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أنَا وَهُوَ
كَهَاتَيْنِ )) وضَمَّ أصَابِعَهُ . رواه مسلم .
(( جَارِيَتَيْنِ )) أيْ :
بنتين .
__________
(1) - أخرجه : البخاري
8/11 ( 6007 ) ، ومسلم 8/221 ( 2982 ) ( 41 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 7/32 (
5177 ) ، ومسلم 4/154 ( 1432 ) ( 107 ) و( 110 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 8/38 (
2631 ) ( 149 ) .
(4) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/351 ( 2631 ) : (( أي قام
عليها بالمؤنة والتربية )) .
(1)- وعن عائشة رضي الله
عنها ، قَالَتْ : دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأةٌ وَمَعَهَا ابنتان لَهَا ، تَسْأَلُ
فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيئاً غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحدَةٍ ، فَأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا
فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْها ولَمْ تَأكُلْ مِنْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرجَتْ
، فَدَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَينَا ، فَأخْبَرْتُهُ فَقَالَ :
(( مَنِ ابْتُليَ مِنْ هذِهِ البَنَاتِ بِشَيءٍ فَأحْسَنَ إلَيْهِنَّ ، كُنَّ لَهُ
سِتراً مِنَ النَّارِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- وعن عائشة رضي الله عنها ،
قَالَتْ : جَاءتني مِسْكينةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا ، فَأطْعَمْتُها ثَلاثَ
تَمرَات ، فَأعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَة مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعتْ إِلَى فِيها
تَمْرَةً لِتَأكُلها ، فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا ، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ
الَّتي كَانَتْ تُريدُ أنْ تَأكُلَهَا بَيْنَهُما ، فَأعجَبَنِي شَأنُهَا ،
فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : ((
إنَّ الله قَدْ أوْجَبَ لَهَا بها الجَنَّةَ ، أَوْ أعتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ
)) رواه مسلم .
(3)- وعن أَبي شُرَيحٍ خُوَيْلِدِ بن عمرو الخزاعِيِّ - رضي الله
عنه - ، قَالَ : قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( اللَّهُمَّ إنِّي
أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ : اليَتِيم وَالمَرْأةِ )) حديث حسن رواه النسائي
بإسناد جيد .
ومعنى (( أُحَرِّجُ )) : أُلْحِقُ الحَرَجَ وَهُوَ الإثْمُ بِمَنْ
ضَيَّعَ حَقَّهُمَا ، وَأُحَذِّرُ مِنْ ذلِكَ تَحْذِيراً بَليغاً ، وَأزْجُرُ
عَنْهُ زجراً أكيداً .
__________
(1) - أخرجه : البخاري
2/136 ( 1418 ) ، ومسلم 8/38 ( 2629 ) ( 147 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 8/38 ( 2630
) ( 148 ) .
(3) - أخرجه : النسائي في " الكبرى " ( 9150 )
.
(1)- وعن مصعب بن
سعد بن أَبي وقَّاص رضي الله عنهما ، قَالَ : رَأى سعد أنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى
مَنْ دُونَهُ ، فَقَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( هَلْ تُنْصرُونَ
وتُرْزَقُونَ إلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ )) رواه البخاري هكذا مُرسلاً ، فإن مصعب بن
سعد تابعيٌّ ، ورواه الحافظ أَبُو بكر البرقاني في صحيحه متصلاً عن مصعب ، عن أبيه
- رضي الله عنه - .
(2)- وعن أَبي الدَّرداءِ عُويمر - رضي الله عنه - ، قَالَ :
سمعتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( ابْغُوني الضُّعَفَاء ،
فَإنَّمَا تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ ، بِضُعَفَائِكُمْ )) رواه أَبُو داود بإسناد
جيد