منتديات بشير الخير
ااهلا بكم فى منتديات ا لخير ونتمنى التسجيل والمشاركه
منتديات بشير الخير
ااهلا بكم فى منتديات ا لخير ونتمنى التسجيل والمشاركه
منتديات بشير الخير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات بشير الخير

اسلامى ------- ثقافى -------- اجتماعى ------------------------------------------------------------------------------------------------------ احمد ابراهيم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم {اَللَهُ لا إِلَهَ إلا هو اَلحي ُ القَيَوم لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوْمٌ لَّهُ مَا فيِِ السَمَاوَاتِ وَمَا في اَلأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ ِوَمَا خَلْفَهم وَلا َيُحِيطُونَ بشَيءٍ مِنْ علمِهِ إِلاَ بِمَا شَآء وَسعَ كُرْسِيُّهُ السَمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَلاَ يَؤُدُه حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَليُّ العَظِيمُ

 

  التواضع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ebrehim
Admin
ebrehim


المساهمات : 241
تاريخ التسجيل : 07/10/2010

           التواضع Empty
مُساهمةموضوع: التواضع              التواضع I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 07, 2012 6:19 am

معنى التواضع لغة واصطلاحاً
معنى التواضع لغة:
يقال وضَعَ فُلانٌ نَفْسَهُ وضْعاً، ووُضُوعاً بالضَّم، وَضَعَةً، بالفَتْحِ: أي أزلها. وتَوَاضَعَ الرَّجُلُ: إذا تَذَلَّلَ، وقيلَ: ذَلَّ وتَخاشَعَ (1).
وقال في (الصحاح): (وَضُع الرجل بالضم يوضع ضِعَةً بفتح الضاد وكسرها أي صار وضيعا) (2).
معنى التواضع اصطلاحاً:
التواضع هو: (ترك الترؤس، وإظهار الخمول، وكراهية التعظيم، والزيادة في الإكرام، وأن يتجنب الإنسان المباهات بما فيه من الفضائل، والمفاخرة بالجاه والمال، وأن يتحرز من الإعجاب والكبر) (3).
وقيل هو: (رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته. وهو وسط بين الكبر والضعة، فالضعة: وضع الإنسان نفسه مكانا يزري به بتضييع حقه. والكبر: رفع نفسه فوق قدره) (4).
وقيل هو: (إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقيل هو تعظيم من فوقه فضله) (5).
_________
(1) ((تاج العروس)) (22/ 343) لمرتضى الزبيدي.
(2) ((مختار الصحاح)) للجوهري (3/ 1300).
(3) ((تهذيب الأخلاق)) للجاحظ (ص25)
(4) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 299).
(5) ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 341).

الفرق بين التواضع وبعض الصفات
الفرق بين التواضع والتذلل:
(أن التذلل: إظهار العجز عن مقاومة من يتذلل له.
والتواضع: إظهار قدرة من يتواضع له سواء كان ذا قدرة على المتواضع أو لا ألا ترى أنه يقال العبد متواضع لخدمه أي يعاملهم معاملة من لهم عليه قدرة ولا يقال يتذلل لهم لأن التذلل إظهار العجز عن مقاومة المتذلل له وإنه قاهر وليست هذه صفة الملك مع خدمه) (1).
الفرق بين التواضع والخشوع:
(التواضع: يعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة.
والخشوع: يقال باعتبار الجوارح، ولذلك قيل: إذا تواضع القلب خشعت الجوارح) (2).
_________
(1) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 122).
(2) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 216).

الترغيب والحث على التواضع من القرآن والسنة
الترغيب والحث على التواضع من القرآن
- قال الله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] قال ابن القيم: (أي سكينة ووقارا متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين قال الحسن: علماء حلماء وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا والهون بالفتح في اللغة: الرفق واللين والهون بالضم: الهوان فالمفتوح منه: صفة أهل الإيمان والمضموم صفة أهل الكفران وجزاؤهم من الله النيران) (1).
(وقال تعالى مخاطباً رسوله ممتناً عليه وعلى المؤمنين فيما أَلان به قلبه على أمته المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159]) (2).
- كما أمره الله سبحانه وتعالى أن يلين جانبه للمؤمنين وأن يتواضع لهم فقال: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: 88]
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (أي ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم) (3).
وقال عز من قائل: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215]
- ووصف الله سبحانه وتعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم (يظهرون العطف والحنو والتواضع للمؤمنين ويظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين) (4) حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة: 54]
وقال ابن كثير: (هذه صفات المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه، كما قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]) (5)
وقال ابن القيم: (لما كان الذل منهم ذل رحمة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة على تضمينا لمعاني هذه الأفعال فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل وإنما هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول فالمؤمن ذلول كما في الحديث: المؤمن كالجمل الذلول والمنافق والفاسق ذليل) (6).
- وقوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 24] (حيث أمر الله بالتواضع - للوالدين- ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر) (7).
وقال سبحانه: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83]
_________
(1) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/ 108).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 148).
(3) ((الجامع لأحكام القرآن)) (10/ 56).
(4) ((فتح القدير)) للشوكاني (2/ 75).
(5) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (3/ 136).
(6) ((مدارج السالكين)) لابن قيم الجوزية (2/ 327)
(7) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) لعبد الرحمن السعدي (1/ 456).

قال ابن كثير: (يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ، أي: ترفعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم) (1).
الترغيب والحث على التواضع من السنة
رغب الإسلام في التواضع وحث عليه ابتغاء مرضات الله، وأن من تواضع جازاه الله على تواضعه بالرفعة، وقد وردت نصوص من السنة النبوية تدل على ذلك:
- منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (2).
قال القاضي عياض في قوله صلى الله عليه وسلم ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (3): (فيه وجهان: أحدهما: أن الله تعالى يمنحه ذلك في الدنيا جزاء على تواضعه له، وأن تواضعه يثبت له في القلوب محبة ومكانة وعزة.
والثاني: أن يكون ذلك ثوابه في الآخرة على تواضعه) (4).
- وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد)) (5).
قال ابن عثيمين: (يعني: أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفع عليه، بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السلف رحمهم الله، أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه ومن هو أكبر مثل أبيه ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى ما هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى من هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحد على أحد وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتصف بها، أي بالتواضع لله عز وجل ولإخوانه من المسلمين) (6).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من امرئ إلا وفي رأسه حكمة والحكمة بيد ملك إن تواضع قيل للملك: ارفع الحكمة، وإن أراد أن يرفع قيل للملك: ضع الحكمة أو حكمته)) (7).
- وعن معاذ بن أنس الجهني- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من ترك اللّباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتّى يخيّره من أيّ حلل الإيمان شاء يلبسها)) (Cool.
قال ابن عثيمين: (وهذا يعني أن الإنسان إذا كان بين أناس متوسطي الحال لا يستطيعون اللباس الرفيع فتواضع وصار يلبس مثلهم، لئلا تنكسر قلوبهم، ولئلا يفخر عليهم، فإنه ينال هذا الأجر العظيم أما إذا كان بين أناس قد أنعم عليهم ويلبسون الثياب الرفيعة لكنها غير محرمة، فإن الأفضل أن يلبس مثلهم لأن الله تعالى جميل يحب الجمال ولاشك أن الإنسان إذا كان بين أناس رفيعي الحال يلبسون الثياب الجميلة ولبس دونهم فإن هذا يعد لباس شهرة فالإنسان ينظر ما تقتضيه الحال) (9).
_________
(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 258)
(2) رواه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) ((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) للقاضي عياض (8/ 59).
(5) رواه مسلم (2865) من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
(6) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 524).
(7) رواه البزار في ((كشف الأستار)) (4/ 223) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: لا نعلمه رواه عن علي عن سعيد عن أبي هريرة إلا المنهال. وحسن إسناده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 86).
(Cool رواه الترمذي (2481) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه. وحسنه، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (8584)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6145).
(9) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/ 317 - 318).

- وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه أنه سمع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه وسلّم: كل ضعيف متضعّف لو أقسم على الله لأبره. ثم قال: ألا أخبركم بأهل النّار؟ قالوا: بلى. قال: كل عتل جواظ مستكبر)) (1).
قال القاضي عياض: (وقوله: في أهل الجنة: كل ضعيف متضعف ... هو صفة نفي الكبرياء والجبروت التي هي صفة أهل النار، ومدح التواضع والخمول والتذلل لله عز وجل وحض عليه) (2).
- عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((ابغوني في ضعفائكم، فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)) (3).
قال الطيبي في معنى الحديث: (وفيه نهي عن مخالطة الأغنياء وتحذير من التكبر على الفقراء والمحافظة على جبر خواطرهم، ولهذا قال لقمان لابنه: لا تحقرن أحدا لخلقان ثيابه فإن ربك وربه واحد.
وقال ابن معاذ: (حبك الفقراء من أخلاق المرسلين وإيثارك مجالستهم من علامات الصالحين وفرارك منهم من علامات المنافقين). (4).
_________
(1) رواه البخاري (4918)، ومسلم (2853) من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه.
(2) ((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) للقاضي عياض (8/ 383).
(3) رواه أبو داود (2594)، والترمذي (1702)، وابن حبان (11/ 85) (4767) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وحسن إسناده البزار في ((البحر الزخار)) (10/ 75)، والنووي في ((الخلاصة)) (2/ 873).
(4) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) (1/ 109).

أقوال السلف والعلماء في التواضع
- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (إنكم لتغفلون أفضل العبادة: التواضع) (1).
- وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (لا يبلغ عبد ذرى الإيمان حتى يكون التواضع أحب إليه من الشرف وما قل من الدنيا أحب إليه مما كثر ويكون من أحب وأبغض في الحق سواء يحكم للناس كما يحكم لنفسه وأهل بيته) (2).
- و (سئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: يخضع للحق وينقاد له ويقبله ممن قاله) (3).
- وقال ابن المبارك (رأس التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أن ليس لك بدنياك عليه فضل وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه عليك فضل) (4).
- وعن إبراهيم بن أبي عبلة قال: (رأيت أم الدرداء مع نساء المساكين جالسة ببيت المقدس) (5).
- وقال قتادة: (من أعطي مالا أو جمالا وثيابا وعلما ثم لم يتواضع كان عليه وبالا يوم القيامة) (6).
- وقال يحيى بن الحكم بن أبي العاص لعبد الملك: (أي الرجال أفضل قال من تواضع عن رفعة وزهد على قدرة وترك النصرة على قومه) (7).
- وقال إبراهيم بن شيبان: (الشرف في التواضع والعز في التقوى والحرية في القناعة) (Cool.
- وقال علوان بن داود البجلي حدثني شيخ من همدان عن أبيه قال: (بعثني قومي في الجاهلية بخيل أهدوها لذي الكلاع فأقمت ببابه سنة لا أصل إليه ثم أشرف إشرافة على الناس من غرفة له فخروا له سجودا ثم جلس فلقيته بالخيل فقبلها ثم لقد رأيته بحمص وقد أسلم يحمل الدرهم اللحم فيبتدره قومه ومواليه فيأخذونه منه فيأبى تواضعا وقال:
أف لذي الدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها كل يوم في أذى
ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم الناس معاشا قيل ذا
ثم بدلت بعيش شقوة ... حبذا هذا شقاء حبذا (9)
- وعن صالح المري قال (خرج الحسن ويونس وأيوب يتذاكرون التواضع فقال لهما الحسن وهل تدرون ما التواضع: التواضع أن تخرج من منزلك فلا تلق مسلما إلا رأيت له عليك فضلا) (10).
- (وولي أبو هريرة رضي الله عنه إمارة مرة فكان يحمل حزمة الحطب على ظهره يقول طرقوا للأمير.) (11).
- وقال يحيى ابن أبي كثير: (رأس التواضع ثلاث أن ترضى بالدون من شرف المجلس وأن تبدأ من لقيته بالسلام وأن تكره من المدحة والسمعة والرياء بالبر) (12).
_________
(1) رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (10/ 405) (11852)، وابن المبارك في ((الزهد)) (1/ 132)، وأبو داود في ((الزهد)) (286) من حديث الأسود بن يزيد رحمه الله. وقال ابن حجر العسقلاني في ((الأمالي المطلقة)) (96): حسن غريب اختلف فيه على ابن المبارك والمشهور عنه أنه موقوف.
(2) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (2/ 52) من حديث مكحول رحمه الله.
(3) ((مدارج السالكين)) لابن قيم الجوزية (2/ 329).
(4) ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص142).
(5) ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص149).
(6) ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص142)
(7) ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص144).
(Cool ((مدارج السالكين)) لابن قيم الجوزية (2/ 330).
(9) ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص146).
(10) ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص154).
(11) رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (67/ 373).
(12) ((التواضع والخمول)) لابن أبي الدنيا (ص155).

أقسام التواضع
(والتواضع تواضعان أحدهما محمود والآخر مذموم والتواضع المحمود ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم والتواضع المذموم هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها) (1).
- التواضع المحمود على نوعين:
النوع الأول: (تواضع العبد عند أمر الله امتثالا وعند نهيه اجتنابا فإن النفس لطلب الراحة تتلكأ في أمره فيبدو منها نوع إباء وشراد هربا من العبودية وتثبت عند نهيه! طلبا للظفر بما منع منه فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه فقد تواضع للعبودية.
والنوع الثاني: تواضعه لعظمة الرب وجلاله وخضوعه لعزته وكبريائه فكلما شمخت نفسه ذكر عظمة الرب تعالى وتفرده بذلك وغضبه الشديد على من نازعه ذلك فتواضعت إليه نفسه وانكسر لعظمة الله قلبه واطمأن لهيبته وأخبت لسلطانه فهذا غاية التواضع وهو يستلزم الأول من غير عكس والمتواضع حقيقة من رزق الأمرين والله المستعان). (2)
التواضع المذموم:
قال ابن القيم: (ومن التواضع المذموم المهانة، والفرق بين التواضع والمهانة، أن التواضع: يتولد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها فيتولد من بين ذلك كله خلق هو التواضع وهو انكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة بعباده فلا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقا بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه.
وأما المهانة: فهي الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها كتواضع السفل في نيل شهواتهم وتواضع المفعول به للفاعل وتواضع طالب كل حظ لمن يرجو نيل حظه منه فهذا كله ضعة لا تواضع والله سبحانه يحب التواضع ويبغض الضعة والمهانة وفي الصحيح عنه وأوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) (3).
_________
(1) ((روضة العقلاء)) (ص 59).
(2) ((الروح)) لابن القيم (ص 234)
(3) ((الروح)) لابن القيم (ص 234)

من آثار خلق التواضع
لا شك أن التواضع من أخلاق الصالحين والفضلاء، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من سماته التواضع، فمن آثاره:
1 - (أن التواضع يرفع المرء قدرا ويعظم له خطرا ويزيده نبلا). (1).
2 - (التواضع يؤدي إلى الخضوع للحق والانقياد له.
3 - التواضع هو عين العز، لأنه طاعة لله ورجوع إلى الصواب.
4 - يكفي المتواضع محبة عباد الله له ورفع الله إياه) (2).
5 - (التواضع فيه مصلحة الدين والدنيا ويزيل الشحناء بين الناس، ويريح من تعب المباهاة والمفاخرة) (3).
6 - (التواضع يكسب السلامة ويورث الألفة ويرفع الحقد ويذهب الصد) (4).
7 - (ثمرة التواضع المحبة كما أن ثمرة القناعة الراحة وإن تواضع الشريف يزيد في شرفه كما أن تكبر الوضيع يزيد في ضعته) (5).
8 - التواضع يؤلف القلوب، ويفتح مغاليقها، ويجعل صاحبه جليل القدر، رفيع المكانة.
_________
(1) ((روضة العقلاء)) (ص 61).
(2) ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن المرسي – بتصرف- (ص 209)
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر بتصرف – (11/ 341).
(4) ((روضة العقلاء)) (ص 61).
(5) ((روضة العقلاء) (ص 61).

درجات التواضع
ذكر شيخ الإسلام الهروي للتواضع ثلاث درجات فقال:
(الدرجة الأولى: التواضع للدين وهو أن لا يعارض بمعقول منقولا ولا يتهم للدين دليلا ولا يرى إلى الخلاف سبيلا) (1)
قال ابن القيم: (التواضع للدين هو الانقياد لما جاء به الرسول والاستسلام له والإذعان وذلك بثلاثة أشياء:
الأول: أن لا يعارض شيئا مما جاء به بشيء من المعارضات الأربعة السارية في العالم المسماة: بالمعقول والقياس والذوق والسياسة
فالأولى: للمنحرفين أهل الكبر من المتكلمين الذين عارضوا نصوص الوحي بمعقولاتهم الفاسدة وقالوا: إذا تعارض العقل والنقل: قدمنا العقل وعزلنا النقل إما عزل تفويض وإما عزل تأويل والثاني: للمتكبرين من المنتسبين إلى الفقه قالوا: إذا تعارض القياس والرأي والنصوص: قدمنا القياس على النص ولم نلتفت إليه والثالث: للمتكبرين المنحرفين من المنتسبين إلى التصوف والزهد فإذا تعارض عندهم الذوق والأمر قدموا الذوق والحال ولم يعبأوا بالأمر والرابع: للمتكبرين المنحرفين من الولاة والأمراء الجائرين إذا تعارضت عندهم الشريعة والسياسة قدموا السياسة ولم يلتفتوا إلى حكم الشريعة فهؤلاء الأربعة: هم أهل الكبر والتواضع: التخلص من ذلك كله.
الثاني: أن لا يتهم دليلا من أدلة الدين بحيث يظنه فاسد الدلالة أو ناقص الدلالة أو قاصرها أو أن غيره كان أولى منه ومتى عرض له شيء من ذلك فليتهم فهمه وليعلم أن الآفة منه والبلية فيه كما قيل:
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الأذهان منه ... على قدر القرائح والفهوم
وهكذا الواقع في الواقع حقيقة: أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن المأفون في عقله وذهنه فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك وينبو فهمك عنه فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك وأن تحته كنزا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد هذا في حق نفسك
وأما بالنسبة إلى غيرك: فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو .. وهذا لا خلاف فيه بين العلماء قال الشافعي قدس الله روحه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله: لم يحل له أن يدعها لقول أحد.
الثالث: أن لا يجد إلى خلاف النص سبيلا البتة لا بباطنه ولا بلسانه ولا بفعله ولا بحاله بل إذا أحس بشيء من الخلاف: فهو كخلاف المقدم على الزنا وشرب الخمر وقتل النفس بل هذا الخلاف أعظم عند الله من ذلك وهو داع إلى النفاق وهو الذي خافه الكبار والأئمة على نفوسهم
واعلم أن المخالف للنص لقول متبوعه وشيخه ومقلده أو لرأيه ومعقوله وذوقه وسياسته إن كان عند الله معذورا ولا والله ما هو بمعذور فالمخالف لقوله لنصوص الوحي أولى بالعذر عند الله ورسوله وملائكته والمؤمنين من عباده
فواعجبا إذا اتسع بطلان المخالفين للنصوص لعذر من خالفها تقليدا أو تأويلا أو لغير ذلك فكيف ضاق عن عذر من خالف أقوالهم وأقوال شيوخهم لأجل موافقة النصوص وكيف نصبوا له الحبائل وبغوه الغوائل ورموه بالعظائم وجعلوه أسوأ حالا من أرباب الجرائم فرموه بدائهم وانسلوا منه لواذا وقذفوه بمصابهم وجعلوا تعظيم المتبوعين ملاذا لهم ومعاذا والله أعلم). (2)
قال صاحب المنازل: (ولا يصح ذلك إلا بأن يعلم: أن النجاة في البصيرة والاستقامة بعد الثقة وأن البينة وراء الحجة) (3)
قال ابن القيم: (يقول: إن ما ذكرناه من التواضع للدين بهذه الأمور الثلاثة:
_________
(1) ((مدارج السالكين)) (3/ 120)
(2) ((مدارج السالكين)) (3/ 120)
(3) ((مدارج السالكين)) (3/ 124)

الأولى: علمه أن النجاة من الشقاء والضلال: إنما هي في البصيرة فمن لا بصيرة له: فهو من أهل الضلال في الدنيا والشقاء في الآخرة والبصيرة نور يجعله الله في عين القلب يفرق به العبد بين الحق والباطل ونسبته إلى القلب: كنسبة ضوء العين إلى العين وهذه البصيرة وهبية وكسبية فمن أدار النظر في أعلام الحق وأدلته وتجرد لله من هواه: استنارت بصيرته ورزق فرقانا يفرق به بين الحق والباطل.
الثاني: أن يعلم أن الاستقامة إنما تكون بعد الثقة أي لا يتصور حصول الاستقامة في القول والعمل والحال إلا بعد الثقة بصحة ما معه من العلم وأنه مقتبس من مشكاة النبوة ومن لم يكن كذلك فلا ثقة له ولا استقامة.
الثالث: أن يعلم أن البينة وراء الحجة والبينة مراده بها: استبانة الحق وظهوره وهذا إنما يكون بعد الحجة إذا قامت استبان الحق وظهر واتضح وفيه معنى آخر وهو: أن العبد إذا قبل حجة الله بمحض الإيمان والتسليم والانقياد: كان هذا القبول هو سبب تبينها وظهورها وانكشافها لقلبه فلا يصبر على بينة ربه إلا بعد قبول حجته
وفيه معنى آخر أيضا: أنه لا يتبين له عيب عمله من صحته إلا بعد العلم الذي هو حجة الله على العبد فإذا عرف الحجة اتضح له بها ما كان مشكلا عليه من علومه وما كان معيبا من أعماله.
وفيه معنى آخر أيضا: وهو أن يكون وراء بمعنى أمام والمعنى: أن الحجة إنما تحصل للعبد بعد تبينها فإذا لم تتبين له لم تكن له حجة يعني فلا يقنع من الحجة بمجرد حصولها بلا تبين فإن التبين أمام الحجة والله أعلم) (1).
قال صاحب المنازل رحمه الله: (الدرجة الثانية: أن ترضى بما رضي الحق به لنفسه عبدا من المسلمين أخا وأن لا ترد على عدوك حقا وأن تقبل من المعتذر معاذيره) (2).
قال ابن القيم: (يقول:- أي الهروي-إذا كان الله قد رضي أخاك المسلم لنفسه عبدا أفلا ترضى أنت به أخا فعدم رضاك به أخا وقد رضيه سيدك الذي أنت عبده عبدا لنفسه عين الكبر وأي قبيح أقبح من تكبر العبد على عبد مثله لا يرضى بأخوته وسيده راض بعبوديته؟
فيجيء من هذا: أن المتكبر غير راض بعبودية سيده إذ عبوديته توجب رضاه بأخوة عبده وهذا شأن عبيد الملوك فإنهم يرون بعضهم خشداشية (3) بعض.
ومن ترفع منهم عن ذلك: لم يكن من عبيد أستاذهم.
قوله: (وأن لا ترد على عدوك حقا) أي لا تصح لك درجة التواضع حتى تقبل الحق ممن تحب وممن تبغض فتقبله من عدوك كما تقبله من وليك وإذا لم ترد عليه حقه فكيف تمنعه حقا له قبلك بل حقيقة التواضع أنه إذا جاءك قبلته منه وإذا كان له عليك حق أديته إليه فلا تمنعك عداوته من قبول حقه ولا من إيتائه إياه.
وأما (قبولك من المعتذر معاذيره) فمعناه: أن من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقا كانت أو باطلا وتكل سريرته إلى الله تعالى كما فعل رسول الله في المنافقين الذين تخلفوا عنه في الغزو فلما قدم جاءوا يعتذرون إليه فقبل أعذارهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى وعلامة الكرم والتواضع: أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجه وقل يمكن أن يكون الأمر كما تقول ولو قضي شيء لكان والمقدور لا مدفع له ونحو ذلك) (4).
قال صاحب المنازل رحمه الله: (الدرجة الثالثة: أن تتضع للحق فتنزل عن رأيك وعوائدك في الخدمة ورؤية حقك في الصحبة وعن رسمك في المشاهدة) (5).
_________
(1) ((مدارج السالكين)) (3/ 124)
(2) ((مدارج السالكين)) (3/ 126)
(3) الخشداش: لفظ فارسي معناه: الزميل في الخدمة، والخشداشية: هم الأمراء الذين نشؤوا مماليك عند سيد واحد فنبتت بينهم رابطة الزمالة.
(4) ((مدارج السالكين)) (3/ 126)
(5) ((مدارج السالكين)) (3/ 127)

قال ابن القيم: (يقول:-أي الهروي- التواضع، بأن تخدم الحق سبحانه وتعبده بما أمرك به على مقتضى أمره لا على ما تراه من رأيك ولا يكون الباعث لك داعي العادة كما هو باعث من لا بصيرة له غير أنه اعتاد أمرا فجرى عليه ولو اعتاد ضده لكان كذلك.
وحاصله: أنه لا يكون باعثه على العبودية مجرد رأي وموافقة هوى ومحبة ولاعادة بل الباعث مجرد الأمر والرأي والمحبة والهوى والعوائد: منفذة تابعة لا أنها مطاعة باعثة وهذه نكتة لا يتنبه لها إلا أهل البصائر.
(وأما نزوله عن رؤية حقه في الصحبة) فمعناه: أن لا يرى لنفسه حقا على الله لأجل عمله فإن صحبته مع الله بالعبودية والفقر المحض والذل والانكسار فمتى رأى لنفسه عليه حقا فسدت الصحبة وصارت معلولة وخيف منها المقت ولا ينافي هذا ما أحقه سبحانه على نفسه من إثابة عابديه وإكرامهم فإن ذلك حق أحقه على نفسه بمحض كرمه وبره وجوده وإحسانه لا باستحقاق العبيد وأنهم أوجبوه عليه بأعمالهم.
فعليك بالفرقان في هذا الموضع الذي هو مفترق الطرق والناس فيه ثلاث فرق: فرقة رأت أن العبد أقل وأعجز من أن يوجب على ربه حقا فقالت: لا يجب على الله شيء البتة وأنكرت وجوب ما أوجب على نفسه.
وفرقة رأت أنه سبحانه أوجب على نفسه أمورا لعبده فظنت أن العبد أوجبها عليه بأعماله وأن أعماله كانت سببا لهذا الإيجاب والفرقتان غالطتان.
والفرقة الثالثة: أهل الهدى والصواب قالت: لا يستوجب العبد على الله بسعيه نجاة ولا فلاحا ولا يدخل أحدا عمله الجنة أبدا ولا ينجيه من النار والله تعالى بفضله وكرمه ومحض جوده وإحسانه أكد إحسانه وجوده وبره بأن أوجب لعبده عليه سبحانه حقا بمقتضى الوعد فإن وعد الكريم إيجاب ولو بـ (عسى ولعل)
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عسى من الله واجب) (1) ووعد اللئيم خلف ولو اقترن به العهد والحلف.
والمقصود: أن عدم رؤية العبد لنفسه حقا على الله لا ينافي ما أوجبه الله على نفسه وجعله حقا لعبده قال النبي لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قال: الله ورسوله أعلم قال: حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا يا معاذ أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقهم عليه: أن لا يعذبهم بالنار.
فالرب سبحانه ما لأحد عليه حق ولا يضيع لديه سعي كما قيل:
ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع
وأما قوله: (وتنزل عن رسمك في المشاهدة) أي من جملة التواضع للحق: فناؤك عن نفسك فإن رسمه هي نفسه والنزول عنها: فناؤه عنها حين شهوده الحضرة وهذا النزول يصح أن يقال كسبي باعتبار وإن كان عند القوم غير كسبي لأنه يحصل عند التجلي والتجلي نور والنور يقهر الظلمة ويبطلها والرسم عند القوم ظلمة فهي تنفر من النور بالذات فصار النزول عن الرسم حين التجلي ذاتيا.
ووجه كونه كسبيا: أنه نتيجة المقامات الكسبية ونتيجة الكسبي كسبي.
وثمرته وإن حصلت ضرورة بالذات: لم يمتنع أن يطلق عليها كونها كسبية باعتبار السبب والله أعلم) (2).
_________
(1) رواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (3/ 905).
(2) ((مدارج السالكين)) (3/ 127)

صور التواضع
1 - تواضع الإنسان في نفسه:
ويكون ذلك بألا يظن أنه أعلم من غيره، أو أتقى من غيره أو أكثر ورعاً من غيره، أو أكثر خشية لله من غيره، أو يظن أن هناك من هو شر منه، ولا يظن أنه قد أخذ صكاً بالغفران!! وآخر بدخول الجنة!!؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، يقول الله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال: 24].
وقال أبو زيد: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر، فقيل له: فمتى يكون متواضعاً؟ قال: إذا لم ير لنفسه مقاماً ولا حالا.
ومن التواضع ألا يعظم في عينك عملك، إن عملت خيراً، أو تقربت إلى الله تعالى بطاعة، فإن العمل قد لا يقبل، وإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27]. ولهذا قال بعض السلف: لو أعلم أن الله قبل مني تسبيحة لتمنيت أن أموت الآن!
ومن ذلك التواضع عندما تسمع نصيحة، فإن الشيطان يدعوك إلى ردها، وسوء الظن بالناصح، لأن معنى النصيحة أن أخاك يقول لك: إن فيك من العيوب كيت وكيت:
وكم مرة أتعبتكم بنصيحتي ... وقد يستفيد البغضة المتنصح!
أما من عصمه الله تعالى فإنه إذا وجد من ينصحه ويدله على عيوبه قهر نفسه، وقبل منه، ودعا له وشكره.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم، في تعريف الكبر: ((الكبر بطر الحق وغمط الناس)) (1).
يعني: رد الحق، وبخس الناس أشياءهم.
فالمستكبر صاحب نفسية متعاظمة لا يكاد يمدح أحداً أو يذكره بخير، وإن احتاج على ذلك شفعه بذكر بعض عيوبه.
أما إن سمع من يذكره ببعض عيوبه فهيهات أن ينصاع أو يلين، وما ذاك إلا لمركب النقص في نفسه، ولهذا كان من كمال الإنسان أن يقبل النقد والملاحظة بدون حساسية أو انزعاج أو شعور بالخجل والضعف وها هو أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يحمل الراية، ويرفع الشعار: رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا (2).
2 - التواضع في التعلّم:
قال الشافعي: لا يطلب هذا العلم أحد بالملك وعزة النفس فيفلح، لكن من طلبه بذلة النفس، وضيق العيش، وخدمة العلم، وتواضع النفس أفلح.
وعن الأصمعي قال: من لم يحمل ذل التعلم ساعة، بقي في ذل الجهل أبداً.
قال عبد الله بن المعتز: المتواضع في طلب العلم أكثرهم علماً، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء.
وقد نظم أبو عامر النسوي فقال:
العلم يأتي كل ذي ... خفض، ويأبى كل آبي
كالماء ينزل في الوها ... د، وليس يصعد في الروابي
وكذلك ينبغي أن يتحمل الطالب ما يكون من الشيخ أو من بقية الطلبة لئلا يفوته العلم، فتفوته الدنيا والآخرة، مع حصول العدو وطلبه، وشماتة الأعداء من الأربعة الأمور بالاستعاذة منهن في الصحيحين في قوله عليه السلام: ((تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء)) (3).
وقد قيل:
لمحبرة تجالسني نهاري ... أحب إلي من أنس الصديق
ورزمة كاغد في البيت عندي ... أعز إلي من عدل الرقيق
ولطمة عالم في الخد مني ... ألذ إلي من شرب الرحيق
وقال الشافعي: غضب الأعمش يوماً على رجل من الطلبة فقال آخر: لو غضب علي مثلك لم أعد إليه.
فقال له الأعمش: إذا هو أحمق مثلك، يترك ما ينفعه لسوء خلقي. ذكره البيهقي (4).
وأن لا ينظر الشاب المبتدئ إلى نفسه على أنه ند لهذا العالم أو ذاك، ويقول: هم رجال .. ونحن رجال!!
_________
(1) رواه مسلم (91) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2) رواه الدارمي (1/ 506)، وذكره ابن المبرد في ((محض الصواب)).
(3) رواه البخاري (6616)، ومسلم (2707) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/ 111 - 115).

والحال أن الرجولة تختلف .. فإن صفة الرجولة في القرآن الكريم سيقت مساق المدح في مواضع عدة:
فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ [التوبة: 108].
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور: 36 - 37].
وقد يعبر بالرجولة عن الفحولة والذكورية فحسب كما في مواضع أخرى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ [الجن: 6].
فالرجال ليسوا سواء، وأين الثرى من الثريا؟!
ولربما رأيت طويلب علم لا يحفظ من القرآن إلا اليسير، ولا يكاد يحفظ حديثاً من البخاري أو مسلم بحروفه، فضلاً عن سنده ومعناه. ومع هذا قد يقف أمام جهابذة العلماء وكأنه أبو حنيفة أو الشافعي! وهجيراه أن يقول: أرى، وأنا، وقلت، وعندي!
يقولون: هذا عندنا غير جائز!! ... ومن أنتم حتى يكون لكم (عندُ)!!
جلس الشافعي ذات يوم مع تلميذه أحمد بن حنبل، فنظر إليه وقال:
أحب الصالحين ولست منهم ... لعلي أن أنال بهم شفاعه
وأكره من تجارتهم معاصي ... وإن كنا سوياً في البضاعة
فنظر إليه تلميذه أحمد ثم قال:
تحب الصالحين وأنت منهم ... ومنكم سوف يلقون الشفاعة
وتكره من تجارتهم معاصي ... وقاك الله من شر البضاعة.
3 - التواضع مع الناس:
فالمسلم يخالط الناس ويدعوهم إلى الخير، وإلى الأخلاق الإسلامية، ومن طبيعة الناس أنهم لا يقبلون قول من يعظم نفسه ويحقرهم، ويرفع نفسه ويضعهم، وإن كان ما يقوله حقا، بل عليه أن يعرف أن جميع ما عنده هو فضل من الله، فالمسلم المتواضع هو الذي لا يعطي لنفسه حظاً في كلامه مع الآخرين، ومن تواضع المسلم مع الناس أن يجالس كل طبقات المجتمع، ويكلم كلا بما يفهمه، ويجالس الفقراء والأغنياء.
يقول تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28].
4 - التواضع مع الأقران:
ومن التواضع أن يتواضع المرء مع أقرانه، وكثيراً ما تثور بين الأقران والأنداد روح المنافسة والتحاسد، وربما استعلى الإنسان على قرينه، وربما فرح بالنيل منه، والحط من قدره وشأنه، وعيبه بما ليس فيه، أو تضخيم ما فيه، وقد يظهر ذلك بمظهر النصيحة والتقويم وإبداء الملاحظات، ولو سمى الأمور بأسمائها الحقيقة لقال: الغيرة.
5 - تواضع الإنسان مع من هو دونه:
ومن التواضع: التواضع مع من هو دونك، فإذا وجدت أحداً أصغر منك سناً، أو أقل منك قدراً فلا تحقره، فقد يكون أسلم منك قلباً، أو أقل منك ذنباً، أو أعظم منك إلى الله قرباً.
حتى لو رأيت إنساناً فاسقاً وأنت يظهر عليك الصلاح فلا تستكبر عليه، واحمد الله على أن نجاك مما ابتلاه به، وتذكر أنه ربما يكون في عملك الصالح رياء أو عجب يحبطه، وقد يكون عند هذا المذنب من الندم والانكسار والخوف من خطيئته ما يكون سبباً في غفران ذنبه.
عن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث ((أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك)) (1).
_________
(1) رواه مسلم (2621) من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه.

فلا تستكبر على أحد، وحتى حين ترى الفاسق فلا تستعل عليه، أو تعامله بأسلوب المتسلط المستكبر.
6 - تواضع صاحب المال:
فإن مَن مَنَّ الله عليهم بالمال، والجاه، والقوة، والنفوذ، أحوج الخلق إلى خلق التواضع. لأن هذه النعم مدعاة إلى الكبر والفخر.
وما ابتليت الأمة بمصيبة الكبر إلا من هؤلاء، ولو نظر صاحب المال مثلاً إلى سالف أمره، إذا ما رزق مالاً أن يشكر ربه الذي أغناه بعد فقر، وأعطاه بعد حرمان، وأشبعه بعد جوع، وأمنه بعد خوف، وأن يجعل التواضع فراشه، ودثاره، وزينته، هذا هو الشكر العملي الحقيقي، فكن أخي عثماني المنهج، ولا تكن قاروني!!
أما أن يتكبر وهذا حاله، فلا أدري بما يوصف هذا الإنسان، وقد بدلت لديه المفاهيم والموازين.
وكذلك يقال لصاحب كل نعمة أن عليك بالتواضع، فلربما دارت عليك الأيام، وبدل الحال.
7 - تواضع القائد مع الأفراد:
القائد الناجح هو الذي يخفض جناحه للأفراد الذين هم تحته؛ لأنه كلما تواضع لهم وخفض لهم جناحه كان أقرب إلى نفوسهم، وكان أمره لهم محبباً إليهم، فهم يطيعونه عن حب وإخلاص، يقول تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215].
ومن مظاهر هذا التواضع، عدم الاستبداد بالرأي والانفراد باتخاذ القرار، وذلك أن استفراغ ما عند الأفراد من آراء وأفكار لاشك أن ذلك يفتح أبواباً كانت مغلقة على القادة، والاستماع إليها والنزول عن الرأي إليها – إذا كانت صحيحة – تقلل من نسبة الخطأ في القرار، وببركة الشورى قد يجبر الله ما بها من قصور، ولله در القائل:
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به ... رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
وألا يجد القادة في نفوسهم شيئاً إذا تحولوا إلى جنود أو أفراد في الصف بعد أن كانوا قادة؛ وذلك لأن الأجر والثواب يكون بالإخلاص والتجرد، والصدق مع الله.
وكما يقول الفضيل بن عياش: (من أحب الرياسة لم يفلح أبدا) ولا شك أن المؤمن كلما ازداد تواضعاً ازداد إيماناً بالله وقرباً منه، وكلما ازداد عتواً وترفعاً على الناس ازداد مقتاً وبعداً منه سبحانه (1).
_________
(1) انظر ((الأخلاق الإسلامية ودورها في بناء المجتمع)) لجمال نصار- بتصرف – (ص 238) ((دروس إيمانية في الأخلاق الإسلامية)) لخميس السعيد - بتصرف (ص 39) ((من أخلاق الداعية)) لسلمان العودة - بتصرف (ص 29).

الأسباب التي تعين على التواضع
1 - (تقوى الله:
وهذا من أول الأمور والأسباب التي تعين المرء على التواضع، وتردعه عن أخلاق أهل السفه والكبر.
لأن التقوى وقاية من كل ما يغضب الله تعالى، وفعل جميع الطاعات التي أمر الله تعالى بها، فالكبر كبيرة من الكبائر ولا يتصف بها أهل التقوى، والتواضع من محاسن الأخلاق وحتماً ولابد أنه يكون في أهل التقوى.
وهذا شيء يجب أن يكون مركوزاً في فطرة كل إنسان، وخاصة إذا كان بالمرء تيه وعجب، عليه أن يعلم أن الأيام دول، يوم لك ويوم عليك، فلا ينبغي للعاقل أن يفرح بدنيا أقبلت عليه ومن ثم يشمخ بها، ويتعالى بنعم الله على عباد الله والله يقول: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] فمن تذكر دائماً هذه السنة الكونية خضع لإخوانه ولعامة الناس، وخفض جناحه لهم، لأنه ربما تقلبت به الدنيا، فيذل بعد أن كان عزيزاً، ويفتقر بعد أن كان غنياً، ويعلو عنه من كان يترفع عليه، فلم الكبر والتيه والعجب؟!
قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83].
2 - عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به:
مما لا شك فيه أن المرء يحب أن يتواضع له الناس، ويخفضوا جناحهم له، ويعاملوه برفق ولين، ويبغض من ناحية أخرى، من يغلظ له، ومن يتكبر عليه بأي صورة من الصور.
ولو كان المرء جراباً حشي كبراً لتألم وتأفف أيضاً ممن يتكبر عليه، فلم الكيل بمكيالين؟!!
3 - التفكر في أصل الإنسان (1):
إذا عرف الإنسان نفسه، علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه نظرة في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئاً مذكوراً، بعد أن كان لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني شيئاً، فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه.
وقد أشار الله – سبحانه وتعالى – إلى هذا بقوله:
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [عبس: 18 - 19].
ثم امتن عليه بقوله: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس: 20].
وبقوله: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان: 2].
لقد أحياه الله بعد موت، وأحسن تصويره، وأخرجه إلى الدنيا، فأشبعه وأرواه، وكساه وهداه، وقواه.
فمن هذا بدايته، فأي وجه لتكبره وفخره وخيلائه؟!
قال ابن حبان رحمه الله:
وكيف لا يتواضع من خلق من نطفة مذرة، وآخره يعود إلى جيفة قذرة، وهو بينهما يحمل العذرة. اهـ (2)
4 - معرفة الإنسان قدره:
قال تعالى: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: 37].
قال العلامة الشنقيطي:
أي أنت أيها المتكبر المختال: ضعيف حقير عاجز محصور بين جمادين أنت عاجز عن التأثير فيها، فالأرض التي تحتك لا تقدر أن تؤثر فيها بشدة وطئك عليها، والجبال الشامخة فوقك لا يبلغ طولك طولها، فاعرف قدرك، ولا تتكبر، ولا تمش في الأرض مرحاً. اهـ (3)
5 - تذكر الأمراض والأوجاع والمصائب:
وما أجمل التواضع واللين!!
فلو رأيت أهل البلاء بشتى صنوفهم للمست التواضع يعلو وجوههم وأبدانهم!
انظر إلى من غله المرض، واستوثق منه الوجع، وهده الألم، انظر إليه إذا جاء الزائر يزوره! وطالع محياه، فسترى فاقة وكسرة وحاجة إلى كل إنسان!
فهو يأنس بهذا! ويشد على يد هذا! ويطلب الدعاء من آخر! ويتشوف إلى رنين الهاتف فلربما سمع كلمة تشد من أزره أو ربما سعد بدعوة مجابة أو ... أليس في هذا الحال درس لكل من اختال يوماً، أو تطاول حيناً، أو تكبر زمناً؟!
بلى والله.
وما قيل هنا، يقال في أهل المصائب كافة، فلماذا التجمل بالتواضع عند الضر، والافتخار والمباهاة والأشر والكبر عند الرخاء والنعمة في العلن والسر؟!
6 - تطهير القلب:
القلب إذا صلح صلح العمل كله بإذن الله تعالى فعلى من أراد اكتساب خلق التواضع أن يطهر قلبه من الأمراض التي عصفت به من حقد وحسد وعجب وغرور لأن القلب هو موطن هذه الأمراض كلها) (4).
_________
(1) ((التواضع في ضوء القرآن والسنة الصحيحة)) (ص: 31، 32) سليم الهلالي، دار ابن القيم، الدمام.
(2) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص: 61).
(3) ((أضواء البيان)) (3/ 592).
(4) ((دروس إيمانية في الأخلاق الإسلامية)) (ص 57) لخميس السعيد - بتصرف.

نماذج من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جم التواضع، لا يعتريه كبر ولا بطر على رفعة قدره وعلو منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم كواحد منهم، ولا يعرف مجلسه من مجلس أصحابه لأنه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل عنه، روى أبو داود في سننه عن أبي ذر وأبي هريرة قالا: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل فطلبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه ... )) (1).
وقال له رجل: يا محمد أيا سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، أنا عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله)) (2).
- وكان صلى الله عليه وسلم من تواضعه يتفقد أحوال أصحابه ويقوم بزيارتهم، فقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي فدخل علي فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام، قال: قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال تسعا قلت يا رسول الله قال إحدى عشرة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صوم فوق صوم داود - عليه السلام - شطر الدهر صم يوما وأفطر يوما)) (3).
وكان يتفقدهم حتى في الغزوات والمعارك، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي برزة ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه هل تفقدون من أحد. قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا. ثم قال هل تفقدون من أحد. قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا.
ثم قال هل تفقدون من أحد. قالوا لا. قال لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه. فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوقف عليه فقال: قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه، قال فوضعه على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فحفر له ووضع في قبره.)) (4).
_________
(1) رواه أبو داود (4698)، والنسائي (4991) من حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهما. وسكت عنه أبو داود، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (4698).
(2) رواه أحمد (3/ 153) (12573)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9/ 103) من حديث أنس رضي الله عنه. وجوَّد إسناده الشوكاني في ((الفتح الرباني)) (1/ 336)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 611).
(3) رواه البخاري (1980)، ومسلم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(4) رواه مسلم (2472) من حديث أبي برزة رضي الله عنه.

- وكان من تواضعه صلى الله عليه وسلم القيام بخدمة أصحابه، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة وفيه في قصة نومهم عن صلاة الفجر: (( ..... قال ودعا بالميضأة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم- أي أصحابه- فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا الملأ كلكم سيروى. قال ففعلوا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم- يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي اشرب. فقلت لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله قال: إن ساقي القوم آخرهم شربا. قال فشربت وشرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: فأتى الناس الماء جامين رواء)) (1).
- ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه إذا مر على الصبيان سلم عليهم، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه ((أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله)) (2).
((وكان صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم)) (3).
وعن أنس رضي الله عنه قال: ((إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟)) (4).
- ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يشارك في خدمة أهله في البيت فقد روى البخاري عن الأسود، قال: ((سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت كان يكون في مهنة أهله - تعني خدم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bashir.mam9.com
 
التواضع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بشير الخير :: المنتديات الاسلاميه :: الأخلاق الإسْلاميّة :: الأخلاق المحمودة-
انتقل الى: