معنى
الحياء
لغة واصطلاحاً
معنى الحياء لغة:
تقول: رجل حَيِيٌّ ذو حَياءٍ بوزن فَعِيلٍ،
والأُنثى بالهاء وامرأَة حَيِيَّة واسْتَحْيا الرجل واسْتَحْيَت المرأَة، وللعرب في
هذا الحرف لغتان يقال اسْتَحَى الرجل يَسْتَحي بياء واحدة، واسْتَحْيا فلان
يَسْتَحْيِي بياءَين، والقرآن نزل بهذه اللغة الثانية في قوله عز وجل إنَّ الله لا
يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مثلاً [البقرة:26] (1).ويقال استحيت بياء واحدة وأصله
استحييت. والحياء ممدود الاستحياء (2).والحياءمشتق من الحياة (3).
(قَالَ
الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ:
الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْحَيَاةِ وَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ
فِيهِ لِشِدَّةِ علمه بمواقع الغيب) (4).
معنى الحياء اصطلاحاً:
هو: (انقباض
النفس من شيء وتركه حذراً عن اللوم فيه) (5).
وقال الحافظ ابن حجر: (الحياء: خلق
يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير فيحق ذي الحق) (6).
وقيل هو:
(تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم ومحله الوجه ومنعه من القلب)
(7).
_________
(1) [937]- ((لسان العرب)) لابن منظور. بتصرف يسير (14/
218)
(2) [938]- ((مختار الصحاح)) (ص86).
(3) [939]- ((الجواب الكافي))
(ص69).
(4) [940]- ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 5).
(5) [941]- ((التعريفات
للجرجاني)) (ص94).
(6) [942]- ((فتح الباري)) (1/ 52).
(7) [943]- ((التبيان
تفسير غريب القرآن)) (ص61).
الحياء
صفة من صفات الله عز وجل
(حياء
الله صفة من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة وهي صفة كمال تدل على الكرم والفضل
والجود والجلال، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
((إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ
إذا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)) (1).
قال ابن القيم
في (النونية) (2/ 80):
وهو الحييُّ فليسَ يفضحُ عبده ... عندَ التجاهُرِ منهُ
بالعصيانِ
لكنَّهُ يُلقِي عليه سِترهُ ... فَهُو السِّتِّيرُ وصاحب
الغفرانِ
قال الهرَّاس: (وحياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين، الذي
هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع
سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه؛ فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر
شيء إليه وأضعفه لديه، ويستعين بنعمه على معصيته، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه
وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر،
ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر). اهـ) (2).
_________
(1) [944]- رواه أبو داود
(1488)، وابن حبان (3/ 160) (876)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (1/ 220) من
حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه. وسكت عنه أبو داود، وقال محمد المناوي في ((تخريج
أحاديث المصابيح)) (2/ 259): في إسناده جعفر بن ميمون قال أحمد: ليس بالقوي. وصححه
الألباني في ((صحيح أبي داود)) (1488).
(2) [945]- ((صفات الله الواردة في
الكتاب والسنة)) لعلوي السقاف (ص148 - 149).
الفرق
بين الحياء والخجل
(الخجل:
معنى يظهر في الوجه لغم يلحق القلب عند ذهاب حجة أو ظهور على ريبة وما أشبه ذلك فهو
شيء تتغير به الهيبة.
والحياء: هو الارتداع بقوة الحياء ولهذا يقال فلان يستحي
في هذا الحال أن يفعل كذا، ولا يقال يخجل أن يفعله في هذه الحال لأن هيئته لا تتغير
منه قبل أن يفعله فالخجل مما كان والحياء مما يكون.
وقد يستعمل الحياء موضع
الخجل توسعا، وقال الأنباري: أصل الخجل في اللغة الكسل والتواني وقلة الحركة في طلب
الرزق ثم كثر استعمال العرب له حتى أخرجوه على معنى الانقطاع في الكلام.
وفي
الحديث (إذا جعتن وقعتن وإذا شبعتن خجلتن) (1) وقعتن أي: ذللتن، وخجلتن:
كسلتن.
وقال أبو عبيدة: الخجل هاهنا الأشر وقيل هو سوء احتمال العناء.
وقد
جاء عن العرب الخجل بمعنى: الدهش.
قال الكميت:
فلم يدفعوا عندنا ما لهم ...
لوقع الحروب ولم يخجلوا
أي لم يبقوا دهشين مبهوتين) (2).
_________
(1)
[946]- ذكره المتقي الهندي في ((كنز العمال)) (6/ 377) وقال: رواه ابن الأنباري في
كتاب الأضداد عن منصور بن المعتمر مرسلا.
(2) [947]- ((الفروق اللغوية))
(ص244).
فضل
الحياء
الحياء
فضيلة من فضائل الفطرة, وهو مادة الخير والفضيلة وبهذا وصفه النبي صلى الله عليه
وسلم بقوله: ((الحياء خير كله)) (1).
ومن فضائله أنه:
- يحبه الله:
روي في
الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: ((عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ
حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإذا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْتَتِرْ)) (2).
- الحياء من سنن الأنبياء والمرسلين:
عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((خَمْسٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحَيَاءُ وَالْحِلْمُ، وَالْحِجَامَةُ،
وَالتَّعَطُّرُ، وَالنِّكَاحُ.)) (3).
- الحياء خلق الإسلام:
قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ
الْحَيَاءُ)) (4).
- الحياء مفتاح لكل خير:
روي عن عمران بن حصين رضي الله
عنه, قال النبي (صلى الله عليه وسلم): ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) (5).
يقول
ابن حجر رحمه اللَّه: (إذا صار الحياء عادة وتخلق به صاحبه يكون سببًا يجلب الخير
إليه فيكون منه الخير بالذات والسبب) (6).
- الحياء مغلاق لكل شر:
وجاء في
الصحيح عن أبي مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن مما أدرك الناس من
كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) (7).
قال الخطابي: (الحكمة في
التعبير بلفظ الأمر دون الخبر في الحديث أن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو
الحياء فإذا تركه صار كالمأمور بارتكاب كل شر) (.
وقال ابن القيم: (خُلق
الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا بل هو خاصة الإنسانية،
فمن لا حياء فيه فليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة كما أنه
ليس معه من الخير شيء) (9).
- الحياء يكسب محبة الله تعالى:
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة
عليه، ويكره البؤس والتباؤس، ويبغض السائل الملحف ويحب الحيي العفيف المتعفف))
(10).
_________
(1) [948]- رواه مسلم (37) من حديث عمران بن حصين رضي الله
عنه.
(2) [949]- رواه أبو داود (4012)، والنسائي (406) من حديث يعلى رضي الله
عنه. وصححه النووي في ((الخلاصة)) (1/ 204)، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير))
(1729)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (1/ 317): رجال إسناده رجال
الصحيح.
(3) [950]- رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/ 186) من حديث ابن
عباس رضي الله عنهما. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3959)، وضعفه الألباني
في ((ضعيف الجامع)) (2857).
(4) [951]- رواه ابن ماجه (4181)، والطبراني في
((المعجم الأوسط)) (2/ 210)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (5/ 363) من حديث أنس رضي
الله عنه. وضعفه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2411)، وحسنه الألباني في ((صحيح
ابن ماجه)) (3389).
(5) [952]- رواه البخاري (6117)، ومسلم (37) من حديث عمران
بن حصين رضي الله عنه.
(6) [953]- ((فتح الباري)) (10/ 522).
(7) [954]- رواه
البخاري (3484) من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه.
( [955]- ((فتح
الباري)) (10/ 523).
(9) [956]- ((مفتاح دار السعادة)) (1/ 277) بتصرف
يسير.
(10) [957]- رواه البيهقي في شعب ((الإيمان)) (8/ 263) من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه. وقال: في إسناده ضعف. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1668)،
وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1711). -
الحياء مفتاح من مفاتيح الزينة:
عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- ((مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ وَمَا كَانَ
الْحَيَاءُ فِي شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ)) (1).
وقال القرطبي: من الحياء ما يحمل
صاحبه على الوقار بأن يُوقر غيره ويتوقر هو في نفسه (2).
- الحياء يؤمن صاحبه
يوم القيامة:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ
الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ
مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ
وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ
فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا
حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ
خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)) (3).
- الحياء يدخل الجنة:
عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((الْحَيَاءُ مِنَ
الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ
فِي النَّارِ)) (4).
_________
(1) [958]- رواه الترمذي (1974)، وابن ماجه
(4185)، وأحمد (3/ 165) (12712) من حديث أنس رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب.
وقال ابن حجر في ((تخريج المشكاة)) (4/ 386): رجاله رجال الصحيح. وحسنه السيوطي في
((الجامع الصغير)) (7963).
(2) [959]- ((فتح الباري)) (10/ 522).
(3) [960]-
رواه البخاري (660)، ومسلم (1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) [961]-
رواه الترمذي (2009)، وابن ماجه (4184)، وأحمد (2/ 501) (10519) من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/
384): رجاله رجال الصحيح. وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند))
(1447).
الترغيب
والحث على الحياء من القرآن والسنة
الترغيب
والحث على الحياء من القرآن الكريم:
- قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي
أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ
فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ
فَيَقُولُونَ مَاذا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً
وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ
[البقرة:26]
أي: لا يمنعه الحياء من أن يضرب مثلاً ولو كان مثلاً حقيراً ما دام
يثبت به الحق (1).
- وقال تعالى: وَرِيشًا وَلِبَاسُ التقوى
[الأعراف:26]
فُسر لباس التقوى بأنه الحياء كما روي عن الحسن (2)، ومعبد الجهني
(3).
- وقال تعالى: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ
إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ
وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
[القصص: 25].
قال مجاهد: (يَعْنِي: وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا
لَيْسَتْ بِخَرَّاجَةٍ وَلَا وَلَّاجَةٍ) (4).
قال الطبري: (فَأَتَتْهُ تَمْشِي
عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، وَهِيَ تَسْتَحْيِي مِنْهُ) (5).
- وقال سبحانه: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ
لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إذا دُعِيتُمْ
فَادْخُلُوا فَإذا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ
ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي
مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53].
قال ابن كثير: (وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ
دُخُولَكُمْ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَتَأَذَّى
بِهِ، لَكِنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَيَائِهِ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ)
(6).
وقال الشوكاني: (أَيْ يَسْتَحْيِي أَنْ يَقُولَ لَكُمْ: قُومُوا، أَوِ
اخْرُجُوا) (7).
الترغيب والحث على الحياء من السنة النبوية:
- عن أبي مسعود
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام
النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) (.
قال الخطابي: (قال الشيخ: معنى
قوله النبوة الأولى أن الحياء لم يزل أمره ثابتاً واستعماله واجباً منذ زمان النبوة
الأولى وأنه ما من نبي إلاّ وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من
شرائعهم ولم يبدل فيما بدل منها) (9).
وقال ابن دقيق العيد: (معنى قوله: "من
كلام النبوة الأولى" إن الحياء لم يزل ممدوحاً مستحسناً مأموراً به لم ينسخ في
شرائع الأنبياء الأولين) (10).
وقال المناوي: (والمراد الحياء الشرعي الذي يقع
على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود) (11).
_________
(1) [962]-
((تفسير القرآن)) للعثيمين (1/ 96).
(2) [963]- ((تفسير الآلوسي)) (4/
344).
(3) [964]- ((تفسير الثعالبي)) (3/ 19).
(4) [965]- ((تفسير مجاهد))
(ص529).
(5) [966]- ((جامع البيان)) للطبري (18/ 221).
(6) [967]- ((تفسير
ابن كثير)) (6/ 454).
(7) [968]- ((فتح القدير)) للشوكاني (4/ 342).
(
[969]- رواه البخاري (3484) من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه.
(9) [970]-
((معالم السنن)) للخطابي (4/ 109).
(10) [971]- ((شرح الأربعين النووية)) لابن
دقيق العيد (ص78).
(11) [972]- ((فيض القدير)) للمناوي (3/
428). -
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعبة،
أَعْلَاهَا: قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى
عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان)) (1).
قال الخطابي: (ومعنى قوله الحياء
شعبة من الإيمان أن الحياء يقطع صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها فصار بذلك من
الإيمان) (2).
وقال السفيري: (إنما أفرد - صلى الله عليه وسلم - هذه الخصلة من
خصال الإيمان في هذا الحديث وخصها بالذكر دون غيرها من باقي شعب الإيمان، لأن
الحياء كالداعي إلى باقي الشعب، فإن صاحب الحياء يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر
وينزجر، فلما كان الحياء كالسبب لفعل باقي الشعب خص بالذكر ولم يذكر غيره معه)
(3).
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي: (هذا الحديث من جملة النصوص الدالة على أن
الإيمان اسم يشمل عقائد القلب وأعماله، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان فكل ما يقرب
إلى الله، وما يحبه ويرضاه، من واجب ومستحب فإنه داخل في الإيمان. وذكر هنا أعلاه
وأدناه، وما بين ذلك وهو الحياء ولعل ذكر الحياء؛ لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع
شعب الإيمان. فإن من استحيا من الله لتواتر نعمه، وسوابغ كرمه، وتجليه عليه بأسمائه
الحسنى، والعبد -مع هذا كثير التقصير مع هذا الرب الجليل الكبير يظلم نفسه ويجني
عليها- أوجب له هذا الحياء التوقِّي من الجرائم، والقيام بالواجبات والمستحبات)
(4).
- وعن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم: ((الحياء لا يأتي إلّا بخير)) (5).
قال ابن بطال: (معناه أن من استحيا من
الناس أن يروه يأتى الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من
ربه وخالقه، ومن استحيا من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛
لأن كل ذى فطرة صحيحة يعلم أن الله تعالى النافع له والضار والرزاق والمحى والمميت،
فإذا علم ذلك فينبغى له أن يستحى منه عز وجل) (6).
قال ابن رجب: («الْحَيَاءُ
لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»: فَإِنَّهُ يَكُفُّ عَنِ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ
وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ، وَيَحُثُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
وَمَعَالِيهَا، فَهُوَ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ) (7).
-
ومَرَّ النَّبِى عليه السلام عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِى
الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِى حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ
أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((دَعْهُ، فَإِنَّ
الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ)) (.
_________
(1) [973]- رواه مسلم (35) من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) [974]- ((معالم السنن)) للخطابي (4/
312).
(3) [975]- ((المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه
وسلم من صحيح الإمام البخاري)) للسفيري (1/ 365).
(4) [976]- ((بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار)) لعبد الرحمن السعدي
(ص179).
(5) [977]- رواه البخاري (6117)، ومسلم (37) من حديث عمران بن حصين رضي
الله عنه.
(6) [978]- ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 297).
(7) [979]-
((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 501).
( [980]- رواه البخاري (24) من
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال
ابن بطال: (معناه أن الحياء من أسباب الإيمان وأخلاق أهله. وذلك أنه لما كان الحياء
يمنع من الفواحش، ويحمل على الصبر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور، ويقيده
عن المعاصى ويحمله على الطاعة صار كالإيمان لمساواته له فى ذلك، وإن كان الحياء
غريزة والإيمان فعل المؤمن فاشتبها من هذه الجهة) (1).
وقال العيني: (قَوْله:
(فَإِن الْحيَاء من الْإِيمَان) أَي: من كَمَال الْإِيمَان، قَالَه أَبُو عبد
الْملك، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: جعل الْحيَاء وَهُوَ غريزة من الْإِيمَان وَهُوَ
الِاكْتِسَاب لِأَن المستحي يَنْقَطِع بحيائه عَن الْمعاصِي، وَإِن لم يكن لَهُ
نِيَّة فَصَارَ كالإيمان الْقَاطِع بَينه وَبَينهَا) (2).
- وعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
((اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ
الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا
وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ
أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ
اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)) (3).
قال ابن رجب: (يدخل فيه حفظ
السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عنا لإصرار
على ما حرم الله ويتضمن أيضًا حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب،
ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي الله - عز وجل - اللسان والفرج) (4).
وقال
المباركفوري في شرح الحديث:
(قوله ((استحيوا من الله حق الحياء)) (5) أي حياء
ثابتا ولازما صادقا قاله المناوي وقيل أي اتقوا الله حق تقاته.
(قلنا يا نبي
الله إنا لنستحيي) لم يقولوا حق الحياء اعترافا بالعجز عنه.
(والحمد لله) أي على
توفيقنا به.
(قال ليس ذاك) أي ليس حق الحياء ما تحسبونه بل أن يحفظ جميع جوارحه
عما لا يرضى.
(ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس) أي عن استعماله
في غير طاعة الله بأن لا تسجد لغيره ولا تصلي للرياء ولا تخضع به لغير الله ولا
ترفعه تكبرا.
(وما وعى) أي جمعه الرأس من اللسان والعين والأذن عما لا يحل
استعماله.
(وتحفظ البطن) أي عن أكل الحرام.
(وما حوى) أي ما اتصل اجتماعه به
من الفرج والرجلين واليدين والقلب فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف وحفظها بأن لا
تستعملها في المعاصي بل في مرضاة الله تعالى.
(وتتذكر الموت والبلى) بكسر الباء
من بلى الشيء إذا صار خلقا متفتتا يعني تتذكر صيرورتك في القبر عظاما
بالية.
(ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا) فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى
للأقوياء قاله القاري.
وقال المناوي لأنهما ضرتان فمتى أرضيت إحداهما أغضبت
الأخرى). (6).
_________
(1) [981]- ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/
298).
(2) [982]- ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (22/ 165).
(3)
[983]- رواه الترمذي (2458) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: غريب.
وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (5/ 105)، وحسنه الألباني في ((صحيح الترمذي))
(2458).
(4) [984]- ((جامع العلوم والحكم)) (ص464).
(5) [985]- رواه الترمذي
(2458) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: غريب. وحسن إسناده النووي في
((المجموع)) (5/ 105)، وحسنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (2458).
(6) [986]-
((تحفة الأحوذي)) (7/ 130 - 131).
أقوال
السلف والعلماء في الحياء
-
وقال عمر رضي الله عنه: (من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه) (1).
- قال
ابن القيم في حقيقة الحياء: (قال صاحب المنازل: الحياء: من أول مدارج أهل الخصوص
يتولد من تعظيم منوط بود إنما جعل الحياء من أول مدارج أهل الخصوص: لما فيه من
ملاحظة حضور من يستحيي منه وأول سلوك أهل الخصوص: أن يروا الحق سبحانه حاضرا معهم
وعليه بناء سلوكهم وقوله: إنه يتولد من تعظيم منوط بود يعني: أن الحياء حالة حاصلة
من امتزاج التعظيم بالمودة فإذا اقترنا تولد بينهما الحياء والجنيد يقول: إن تولده
من مشاهدة النعم ورؤية التقصير ومنهم من يقول: تولده من شعور القلب بما يستحيي منه
فيتولد من هذا الشعور والنفرة حالة تسمى الحياء ولا تنافي بين هذه الأقوال فإن
للحياء عدة أسباب) (2).
- وقال أيضاً: (حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء وقلة
الحياء من موت القلب والروح فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم.
- قال الجنيد
رحمه الله: الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء
وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق.
- ومن كلام
بعض الحكماء: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيي منه وعمارة القلب: بالهيبة والحياء
فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير وقال ذو النون: الحياء وجود الهيبة في القلب مع
وحشة ما سبق منك إلى ربك والحب ينطق والحياء يسكت والخوف يقلق.
- وقال السري: إن
الحياء والأنس يطرقان القلب فإن وجدا فيه الزهد والورع وإلا رحلا وفي أثر إلهي يقول
الله عز وجل: ابن آدم إنك ما استحييت مني أنسيت الناس عيوبك وأنسيت بقاع الأرض
ذنوبك ومحوت من أم الكتاب زلاتك وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة (3).
- وفي أثر
آخر: أوحى الله عز وجل إلى عيسى عليه الصلاة والسلام: عظ نفسك فإن اتعظت وإلا
فاستحي مني: أن تعظ الناس (4).
- وقال الفضيل بن عياض: خمس من علامات الشقاوة:
القسوة في القلب وجمود العين وقلة الحياء والرغبة في الدنيا وطول الأمل (5)، وفي
أثر إلهي ما أنصفني عبدي يدعوني فأستحيي أن أرده ويعصيني ولا يستحيي مني) (6).
-
وقال أبو عبيدة الناجي: سمعت الحسن يقول: (الحياء والتكرم خصلتان من خصال الخير، لم
يكونا في عبد إلا رفعه الله عز وجل بهما) (7)
- (وقال ابن عطاء: العلم الأكبر:
الهيبة والحياء؛ فإذا ذهبت الهيبة والحياء لم يبق فيه خير.
- وقال ذو النون
المصري: الحياء وجود الهيبة في القلب، مع وحشة ما سبق منك إلى ربك تعالى.
- وقال
أبو عثمان: من تكلم في الحياء ولا يستحي من الله عز وجل فيما يتكلم به، فهو
مستدرج.
- وقال الجريري: تعامل القرن الأول من الناس فيما بينهم بالدين، حتى رق
الدين .. ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث
بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار
الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة.
- وقيل: من علامات المستحي: أن لا يرى بموضع
يستحيا منه.) (
- وقال ابن أبي الدنيا: قيل لبعض الحكماء: ما أنفع الحياء؟
قال: أن تستحي أن تسأله ما تحب وتأتي ما يكره (9).
- وقال ربيط بني إسرائيل:
(زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصمت) (10)
_________
(1) [987]- رواه
الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (2/ 370)، والبيهقي في ((الشعب)) (7/ 59) من حديث
الأحنف بن قيس رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 305): فيه دويد
بن مجاشع ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
(2) [988]- ((مدارج السالكين)) (2/
253).
(3) [989]- رواه القشيري في ((رسالته)) (2/ 368)، وابن عساكر في ((تاريخ
دمشق)) (34/ 150) عن أبي سليمان الداراني رحمه الله.
(4) [990]- ((وصية الشيخ
السلمي)) (42).
(5) [991]- رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (10/ 182)، وابن
عساكر في ((تاريخ دمشق)) (48/ 416).
(6) [992]- ((الرسالة القشيرية)) (2/
370).
(7) [993]- ((مكارم الأخلاق)) لابن أبي الدنيا (1/ 43).
( [994]-
((الرسالة القشيرية)) (2/ 368 - 369) بتصرف.
(9) [995]- ((التوبة)) لابن أبي
الدنيا (ص91).
(10) [996]- ((الصمت)) لابن أبي الدنيا
(ص263). أقسام
الحياء
(ينقسم
الحياء باعتبار محله إلى قسمين:
1 - القسم الأول: حياء فطري: وهو الذي يولد مع
الإنسان متزوداً به، ومن أمثلته: حياء الطفل عندما تنكشف عورته أمام الناس، وهذا
النوع من الحياء منحة أعطاها الله لعباده.
2 - والقسم الثاني: حياء مكتسب: وهو
الذي يكتسبه المسلم من دينه، فيمنعه من فعل ما يذم شرعاً، مخافة أن يراه الله حيث
نهاه، أو يفقده حيث أمره.
وينقسم باعتبار متعلقه إلى قسمين:
1 - القسم الأول:
الحياء الشرعي: وهو الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام، وهو محمود.
2 - القسم
الثاني: الحياء غير الشرعي: وهو ما يقع سبباً لترك أمر شرعي، وهذا النوع من الحياء
مذموم، وهو ليس بحياء شرعي، وإنما هو ضعف ومهانة) (1).
_________
(1) [997]-
((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد المرسي (ص146).
فوائد
الحياء
للحياء
فوائد عديدة وسمات حميدة، فيزيد عزة المرء بنفسه، ويعظم قدره عند غيره، ويكسب رضا
ربه.
فمن فوائده:
- الحياء من خصال الإيمان.
- هجر المعصية خجلا من الله
سبحانه وتعالى.
- الإقبال على الطاعة بوازع الحب لله عز وجل.
- يبعد عن فضائح
الدنيا والآخرة.
- أصل كل شعب الإيمان.
- يكسو المرء الوقار فلا يفعل ما يخل
بالمروءة والتوقير ولا يؤذي من يستحق الإكرام.
- لا يمنع من مواجهة أهل الباطل
ومرتكبي الجرائم.
- هو دليل على كرم السجية وطيب المنبت.
- صفة من صفات
الأنبياء والصحابة والتابعين (1).
- من استحى من الله ستره الله في الدنيا
والآخرة.
- يعد صاحبه من المحبوبين عند الله وعند الناس.
- يمنع الشخص عن
الفواحش، ويجعله يستتر بها إذا هو سقط في شيء من أوحالها.
- يدفع المرء إلى
التحلي بكل جميل محبوب، والتخلي عن كل قبيح مكروه (2).
_________
(1) [998]-
((نضرة النعيم)) (5/ 1814).
(2) [999]- ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن
الميداني (2/ 491).
درجات
الحياء
قسم
شيخ الإسلام الهروي الحياء إلى ثلاث درجات:
(الدرجة الأولى: حياء يتولد من علم
العبد بنظر الحق إليه فيجذبه إلى تحمل هذه المجاهدة ويحمله على استقباح الجناية
ويسكته عن الشكوى.
الدرجة الثانية: حياء يتولد من النظر في علم القرب؛ فيدعوه
إلى ركوب المحبة ويربطه بروح الأنس ويكره إليه ملابسة الخلق.
الدرجة الثالثة:
حياء يتولد من شهود الحضرة وهي التي لا تشوبها هيبة ولا تقارنها تفرقة ولا يوقف لها
على غاية) (1).
_________
(1) [1000]- ((مدارج السالكين)) (2/ 246 -
267).
صور
الحياء
صور
الحياء المحمود:
الحياء المحمود من الصفات الحميدة والأخلاق النبيلة التي حثنا
عليها الشرع والتي تدل على ترك القبيح، ولهذه الصفة صور نذكر منها:
- الحياء من
الله: وذلك بالخوف منه ومراقبته، وفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه، وأن يستحي المؤمن
أن يراه الله حيث نهاه، وهذا الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي والآثام لأنه
مرتبط بالله يراقبه في حله وترحاله.
- الحياء من الملائكة: وذلك عندما يستشعر
المؤمن بأن الملائكة معه يرافقونه في كل أوقاته، ولا يفارقونه إلا عند الغائط وعند
أن يأتي الرجل أهله، فهذا يدل على قوة إيمان المؤمن، وهو بهذا يستحي أن يقترف ما
حرم الله.
- الحياء من الناس: وهو دليل على مروءة الإنسان؛ فالمؤمن يستحي أن
يؤذي الآخرين سواء بلسانه أو بيده، فلا يقول القبيح ولا يتلفظ بالسوء، ولا يطعن أو
يغتاب أو ينم على الآخرين، وكذلك يستحي من أن تنكشف عوراته فيطلع عليها الناس.
-
الحياء من النفس: وذلك عندما يكون الإنسان لوحده بعيداً عن أنظار الناس، فيستحي عن
اقتراف الذنوب والآثام حياء من نفسه التي بين جنبيه، وهذا الحياء هو يثبت حقيقة
الحياء من الله.
- الحياء من الوالدين.
- والحياء من الضيف والمبادرة
بإكرامه.
صور الحياء المذموم:
من صور الحياء المذموم الذي يرفضه
الإسلام:
- الحياء في طلب العلم:
إذا تعلق الحياء بأمر ديني، يمنع الحياء من
السؤال فيه أو عرضه في تعليم أو دعوة، فإن مما ينبغي العمل به هو رفع الحرج،
ومدافعة هذا الحياء الذي يمنع من التحصيل العلمي أو الدعوة إلى الله سواء عند
الرجال أو النساء (1).
وورد أن أم سليم رضي الله عنها ((جاءت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من
غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأت الماء. فغطت أم سلمة تعني
وجهها وقالت يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ قال نعم تربت يمينك فيم يشبهها ولدها))
(2).
وعن مجاهد، قال: (إن هذا العلم لا يتعلمه مستح ولا متكبر) (3).
في صحيح
مسلم عن سعيد بن المسيب ((أن أباموسى قال لعائشة - رضي الله عنها: إِنِّي أُرِيدُ
أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيءٍ وَإِنِّي أَسْتَحْيِيكِ. فَقَالَتْ لاَ تَسْتَحْيِي
أَنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا كُنْتَ سَائِلاً عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ
فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ. قُلْتُ فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَالَتْ عَلَى
الْخَبِيرِ سَقَطْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((إذا جَلَسَ
بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ
الْغُسْلُ)) (4).
_________
(1) [1001]- ((المرأة المسلمة المعاصرة ..
إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة)) لأحمد بن محمد أبا بطين (ص388 - 389)
(2)
[1002]- رواه البخاري (130)، ومسلم (313) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(3)
[1003]- ((حلية الأولياء)) (3/ 287).
(4) [1004]- رواه مسلم (349) من حديث عائشة
رضي الله عنه.
وروي
عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ قَالَ ((أَتَيْنَا عَائِشَةَ لِنَسْأَلَهَا عَنِ
الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَاسْتَحَينَا فَقُمْنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهَا
فَمَشَيْنَا لاَ أَدْرِي كَمْ ثُمَّ قُلْنَا جِئْنَا لِنَسْأَلَهَا عَنْ حَاجَةٍ
ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهَا فَرَجَعْنَا فَقُلْنَا يَا أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا جِئْنَا لِنَسْأَلَكِ عَنْ شَيءٍ فَاسْتَحَيْنَا فَقُمْنَا.
فَقَالَتْ مَا هُوَ سَلاَ عَمَّا بَدَا لَكُمَا. قُلْنَا أَكَانَ النَّبِي -صلى
الله عليه وسلم- يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَ لإِرْبِهِ مِنْكُمْ)) (1).
- الحياء من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر:
الحياء لا يمنع المسلم من أن يقول الحق أو يأمر
بالمعروف أو ينهى عن المنكر، قال تعالى: وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ،
[الأحزاب:53]
بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة من سمات هذه الأمة قال عز
وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
والنبي
صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه لم ينثني عن قول الحق، ويتبين ذلك في موقفه مع
أسامة بن زيد حينما أراد أن يشفع في حد من الحدود، فلم يمنعه حياؤه صلى الله عليه
وسلم من أن يقول لأسامة في غضب أتشفع في حد من حدود الله. ثم قام فاختطب ثم قال:
إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف
أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) (2).
وعن أبي
سعيد الخدري - رضي الله عنه – قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
يَقُولُ ((إِنَّ اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ
مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ فَإذا لَقَّنَ اللَّهُ
عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ يَا رَبِّ رَجَوْتُكَ وَفَرِقْتُ مِنَ النَّاسِ))
(3).
- فعل أمر نهى عنه الشارع:
فمن دفعه حياؤه إلى فعل أمر نهى عنه الشارع،
أو إلى ترك واجب مرغوب في الدين فليس حييا شرعاً، وإنما هذا يعتبر ضعفاً
ومهانة.
فليس من الحياء أن يترك الصلاة الواجبة بسبب ضيوف عنده حتى فاتته
الصلاة.
وليس من الحياء أن يمتنع الشخص من المطالبة بالحقوق التي كفلها له الشرع
(4).
صور الحياء كما ذكرها ابن القيم
ذكر ابن القيم صوراً للحياء وقسمها إلى
عشرة أوجه وهي:
(حياء جناية وحياء تقصير وحياء إجلال وحياء كرم وحياء حشمة وحياء
استصغار للنفس واحتقار لها وحياء محبة وحياء عبودية وحياء شرف وعزة وحياء المستحيي
من نفسه.
فأما حياء الجناية: فمنه حياء آدم عليه السلام لما فر هاربا في الجنة
قال الله تعالى: أفرارا مني يا آدم قال: لا يا رب بل حياء منك.
وحياء التقصير:
كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فإذا كان يوم القيامة قالوا:
سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك.
_________
(1) [1005]- رواه أحمد (6/ 216)
(25857) من حديث عائشة رضي الله عنه. والحديث مروي في الصحيحين بدون ذكر
القصة.
(2) [1006]- رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688) من حديث عائشة رضي الله
عنه.
(3) [1007]- رواه ابن ماجه (4017)، والحميدي في ((مسنده)) (756) من حديث
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال ابن كثير في ((تفسير القرآن)) (3/ 155): إسناده
لا بأس به. وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (3260)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح
المسند)) (403).
(4) [1008]- ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد (ص
155).
وحياء
الإجلال: هو حياء المعرفة وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه.
وحياء
الكرم: كحياء النبي من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وطولوا الجلوس عنده فقام
واستحيى أن يقول لهم: انصرفوا.
وحياء الحشمة: كحياء علي بن أبي طالب رضي الله
عنه أن يسأل رسول الله عن المذي لمكان ابنته منه.
وحياء الاستحقار واستصغار
النفس: كحياء العبد من ربه عز وجل حين يسأله حوائجه احتقار الشأن نفسه واستصغارا
لها.
وفي أثر إسرائيلي أن موسى عليه السلام قال: يا رب إنه لتعرض لي الحاجة من
الدنيا فأستحيي أن أسألك هي يا رب فقال الله تعالى: سلني حتى ملح عجينتك وعلف
شاتك.
وقد يكون لهذا النوع سببان:
أحدهما: استحقار السائل نفسه واستعظام
ذنوبه وخطاياه.
والثاني: استعظام مسؤوله.
وأما حياء المحبة: فهو حياء المحب
من محبوبه حتى إنه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه وأحس به في وجهه
ولا يدرى ما سببه وكذلك يعرض للمحب عند ملاقاته محبوبه ومناجاته له روعة شديدة ومنه
قولهم: جمال رائع وسبب هذا الحياء والروعة مما لا يعرفه أكثر الناس.
ولا ريب أن
للمحبة سلطانا قاهرا للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن فأين من يقهر قلبك وروحك
إلى من يقهر بدنك ولذلك تعجبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق.
وقهر المحبوب
لهم وذلهم له فإذا فاجأ المحبوب محبه ورآه بغتة: أحس القلب بهجوم سلطانه عليه
فاعتراه روعة وخوف ...
وأما الحياء الذي يعتريه منه وإن كان قادرا عليه كأمته
وزوجته فسببه والله أعلم أن هذا السلطان لما زال خوفه عن القلب بقيت هيبته واحتشامه
فتولد منها الحياء وأما حصول ذلك له في غيبة المحبوب: فظاهر لاستيلائه على قلبه
فوهمه يغالطه عليه ويكابره حتى كأنه معه.
وأما حياء العبودية: فهو حياء ممتزج من
محبة وخوف ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده وأن قدره أعلى وأجل منها فعبوديته له
توجب استحياءه منه لا محالة.
وأما حياء الشرف والعزة فحياء النفس العظيمة
الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء وإحسان فإنه يستحيي مع بذله
حياء شرف نفس وعزة وهذا له سببان: أحدهما: هذا. والثاني: استحياؤه من الآخذ حتى
كأنه هو الآخذ السائل حتى إن بعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياء
منه وهذا يدخل في حياء التلوم لأنه يستحيي من خجلة الآخذ.
وأما حياء المرء من
نفسه: فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقناعتها
بالدون فيجد نفسه مستحيا من نفسه حتى كأن له نفسين يستحيي بإحداهما من الأخرى وهذا
أكمل ما يكون من الحياء فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر)
(1).
_________
(1) [1009]- ((مدارج السالكين)) لابن القيم. بتصرف. (2/ 250 -
252).
من
مظاهر قلة الحياء
-
المجاهرة بالذنوب والمعاصي وعدم الخوف من الله.
- لبس النساء الكاسيات العاريات
الملابس التي تصف الأجسام أو الضيقة أو المفتوحة من الأعلى والأسفل.
- حديث
المرأة مع الرجل الأجنبي عند خروجها واختلاطها به مثل البائع وغيره.
- التلفظ
والتفوه بالألفاظ البذيئة والسيئة التي تجرح الآخرين.
- كلام الرجل مع غيره
بالأسرار الزوجية والأمور الخاصة التي تحصل بينه وبين زوجته.
- عدم ستر العورات،
فقد ((رَأَى رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ
فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإذا
اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ)) (1).
_________
(1) [1010]- رواه أبو
داود (4012)، والنسائي (406) من حديث يعلى رضي الله عنه. وصححه النووي في
((الخلاصة)) (1/ 204)، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1729)، وقال الشوكاني
في ((نيل الأوطار)) (1/ 317): رجال إسناده رجال الصحيح.
موانع
اكتساب الحياء
-
الغناء:
روى البيهقي وابن أبي الدنيا عن أبي عثمان الليثي قال: قال يزيد بن
الوليد الناقص: (يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم
المروءة) (1)
- ارتكاب المعاصي:
بين ابن القيم أن الذنوب والمعاصي تذهب
الحياء فقال: (ومن عقوباتها ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب وهو أصل كل خير
وذهاب كل خير بأجمعه وفي الصحيح عنه أنه قال: ((الحياء خير كله)) (2). وقال: ((إن
مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) (3). وفيه
تفسيران أحدهما أنه على التهديد والوعيد والمعنى من لم يستح فإنه يصنع ما شاء من
القبائح إذ الحامل على تركها الحياء فإذا لم يكن هناك حياء نزعه من القبائح فإنه
يواقعها وهذا تفسير أبي عبيدة والثاني أن الفعل إذا لم تستح فيه من الله فافعله
وإنما الذي ينبغي تركه ما يستحي فيه من الله وهذا تفسير الإمام أحمد في رواية ابن
هاني فعلى الأول يكون تهديدا كقوله اعملوا ما شئتم وعلى الثاني يكون إذنا وإباحة
فإن قيل فهل من سبيل إلى حمله على المعنيين قلت لا ولا على قول من يحمل المشترك على
جميع معانيه لما بين الإباحة والتهديد من المنافاة ولكن اعتبار أحد المعنيين يوجب
اعتبار الآخر والمقصود أن الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية
حتى ربما أنه لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه بل كثير منهم يخبر
عن حاله وقبح ما يفعله والحامل على ذلك انسلاخه من الحياء وإذا وصل العبد إلى هذه
الحالة لم يبق في صلاحه مطمع وإذا رأى إبليس طلعة وجهه) (4).
_________
(1)
[1011]- ((روح المعاني)) (11/ 68)
(2) [1012]- رواه مسلم (37) من حديث عمران بن
حصين رضي الله عنه.
(3) [1013]- رواه البخاري (3484) من حديث أبي مسعود البدري
رضي الله عنه.
(4) [1014]- (الجواب الكافي) لابن القيم (ص69 -
70).
الوسائل
المعينة على اكتساب الحياء
الحياء
موجود في فطرة الإنسان، وعلينا أن نجعله رفيقاً لنا في كل أقوالنا وأفعالنا، وهناك
بعض الوسائل التي تنمي هذه الصفة وتقويها في نفوسنا، ومن هذه الوسائل:
- اتباع
أوامر الله سبحانه والخوف منه ومراقبته في كل حين واستشعار معيته.
- اتباع سنة
النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في حياته القولية والفعلية.
- غض البصر
عما حرم الله سبحانه وتعالى، وعدم تتبع عورات الآخرين.
- الصبر عن المعصية: لأن
الصبر على البعد عن المعصية تعين على ملازمة الحياء.
- تربية الأولاد على
الحياء.
- مجالسة من يتصف بصفة الحياء.
نماذج
من حياء الأنبياء والمرسلين:
-
حياء أبينا آدم وأمنا حواء:
إن الحياء خاصية من الخصائص التي حبا الله بها
الإنسان ليبتعد عن مزاولة الذنوب والمعاصي والشهوات، وحينما أكل آدم وحواء من شجر
الجنة التي نهاهما الله عن الأكل منها، بدت لهما سوءاتهما، فأسرعا يأخذان من أوراق
الجنة ليسترا عوراتهما، فتحدث القرآن الكريم عن ذلك بقوله: فَلَمَّا ذَاقَا
الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ
وَرَقِ الْجَنَّةِ ... . [الأعراف:22]
وهذا يدل على أن الإنسان مفطور على
الحياء، وأما قلة الحياء فهي منافية للفطرة، بل من اتباع الشيطان.
- حياء نبي
الله موسى عليه السلام:
جاء في وصف موسى عليه السلام أنه كان حيّيّا ستِّيراً،
حتى كان يستر بدنه، ويستحي أن يظهر مما تحت الثياب شيئاً حتى مما ليس بعورة. وبسبب
تستره الزائد آذاه بعض بني إسرائيل في أقوالهم، فقالوا: ما يبالغ في ستر نفسه إلا
من عيب في جسمه، أو من أدرة (1) هو مصاب بها (2).
فعن أبي هريرة، رضي الله عنه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من
جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا
من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى
فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن
الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى
إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون وقام
الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فو الله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه
ثلاثا، أو أربعا، أو خمسا فذلك قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ
اللَّهِ وَجِيهًا. [الأحزاب:69])) (3).
_________
(1) [1015]- الأدرة: هي
انتفاخ في الخصي بسبب فتق.
(2) [1016]- ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن
الميداني (2/ 495).
(3) [1017]- رواه البخاري (3404) من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه.
نماذج
من حياء الأمم السابقة:
-
حياء ابنة شعيب:
قال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى
اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ
لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 25].
وهذه الآية تتحدث عن حياء ابنة شعيب حين
جاءت إلى موسى عليه السلام تدعوه إلى أبيها ليجزيه على صنيعه، فجاءت إليه تمشي على
استحياء، فمن شدة حيائها، قد فاض حياؤها حتى ملأ الأرض حياء (1).
وقال عمر رضي
الله عنه: (فأقبلت إليه ليست بسلفع من النساء لا خراجة ولا ولاجة، واضعة، ثوبها على
وجهها) (2).
- حياء العرب في الجاهلية:
كان أهل الجاهلية يتحرجون من بعض
القبائح بدافع الحياء، فها هو هرقل يسأل أبا سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيقول أبو سفيان: (فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه) (3)،
فمنعه الحياء الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يوصف بالكذب، ويشاع
عنه ذلك (4).
قال عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي
مأواها ...
_________
(1) [1018]- ((الأخلاق الإسلامية ودورها في بناء
المجتمع)) لجمال نصار (ص242).
(2) [1019]- رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (6/
334) (31842).
(3) [1020]- رواه البخاري (7) من حديث أبي سفيان بن حرب رضي الله
عنه.
(4) [1021]- ((الأخلاق الإسلامية ودورها في بناء المجتمع)) لجمال نصار
(244).
[color:b62